| موضوع منقول في التصوف | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
الشيخ محمدالبدوي مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4242 تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 50 الموقع : مصر
| موضوع: موضوع منقول في التصوف 2011-05-28, 3:29 am | |
|
موضوع التصوف بقلم لطف الله خوجه الأستاذ المساعد بقسم العقيدة، بجامعة أم القرى
- تمهيد: قبل كل شيء.. هذا تفسير العنوان: "موضوع التصوف". فالموضوع هو: الأفكار الأساسية التي تكوّن فكرة ما. تدل عليها، وتتعلق بها. فالوضع في الاصطلاح، كما جاء في التعريفات للجرجاني، هو:"تخصيص شيء بشيء، متى أطلق أو أحس الشيء الأول، فهم منه الشيء الثاني"( ص111) وفي دراستنا هذه، الموضوع هو: الأفكار الأساسية التي تكوّن فكرة التصوف. وهي التي متى أطلقت لفظا، أو أحس بها معنى، فهم منها التصوف. ومقصود هذه الدراسة التوصل إلى هذا الموضوع، وتحديده بدقة، ليتميز به، فلا يختلط بغيره؛ فإن آفة المتكلمين في التصوف، إهمالهم تحديد موضوعه؛ ولذا يخلطون بينه وبين غيره، فلايتميز، ولا يتبين، فتارة هو فلسفة، وتارة هو سنة.. وتارة معتدل، وتارة غالٍ..!!. ثم أما بعد: فالدارسون للتصوف على مذهبين: الأول:مذهب يرى التصوف أجنبيا عن الإسلام في: أصله، ونشأته، وأفكاره. وعليه:فهو فكر منحرف كله. وهذا رأي من يرفض التصوف جملة وتفصيلا. يقابله من يقبل التصوف بكل ما فيه، ويراه إسلاميا خالصا. الثاني: مذهب يرى التصوف إسلاميا في: أصله، وأفكاره. تلبس بالفلسفة لاحقا. وعليه:فمنه الإسلامي (المعتدل، السني)، ومنه الفلسفي (الغالي، البدعي). وهذا رأي طائفتين: - الأولى من المتصوفة. - والثانية من غير المتصوفة. وفي مقابل الطائفة الرافضة: طائفة من المتصوفة، ترى كل ما في التصوف حسنا، وتقول: - "الطرق إلى الله عدد أنفاس الخلائق"( الفتوحات المكية، ابن عربي،2/317) من ذلك يتبين: أن المتصوفة، وكذا غير المتصوفة، منقسمون حيال التصوف نفسه..؟!. - فمن المتصوفة من يقر بوجود فكر منحرف عن الإسلام، في المذهب الصوفي، لكنه يتبرأ منه، ويقول: إنه دخيل، طرأ لاحقا، فتلبس بالتصوف. ويعلن تمسكه بالكتاب والسنة. وآخرون منهم لا يقرون بشيء من ذلك. - ومن غير المتصوفة من يعتقد أن في التصوف جانبا معتدلا، سنيا، إسلاميا، يجب أن يعتنى به، وينمّى. وآخرون يرفضون هذا الرأي، ويعتقدون بطلانه. فطائفتان متفقتان في القول والرأي، مختلفتان في المنهج. وطائفتان مختلفتان في القول والرأي، وكذا المنهج.( ينظر في هذا: الكتب التي عنيت بعرض ونقد التصوف مثل: التصوف في الإسلام، التصوف المنشأ والمصادر، التصوف بين الحق والخلق، مدخل إلى التصوف الإسلامي، ابن تيمية والتصوف، نشأة الفكر الفلسفي) ومحل النزاع بين الفريقين ( من يقبل التصوف من المتصوفة وغيرهم، ومن يرفضه): أن أحدهما: 1- يعتقد إمكانية الجمع بين الفلسفة والسنة في تحقيق التصوف. 2- يرجح نسبة التصوف إلى الصوف، واشتقاقه منه. 3- يفسر التصوف بالزهد، مفترضا علاقة لازمة بين الصوف والزهد. 4- يجعل موضوع التصوف هو: الخلق. 5- يؤكد سلامة طريقة الصوفية، ويدلل على موافقتها للشريعة، بما ورد عن الأئمة المتصوفة من كلمات، توجب التقيد بالكتاب والسنة. أما الآخر فإنه: 1- يعتقد استحالة اجتماع النقيضين: الفلسفة، والسنة. 2- يمنع اشتقاق التصوف من الصوف. 3- يطلب الدليل الصحيح لإثبات علاقة لازمة بين الصوف والزهد. 4- يتساءل عن حدود هذا "الخلق" الصوفي، وماهيته، وما يعنى به؟. 5- يستفهم عن وجه التشابه في الأفكار بين متصوفة المسلمين والمتصوفة القدماء ؟!. 6- يطلب تفسيرا لظاهرة الاتهامات، التي طالت كثيرا من أئمة التصوف. وهذا موضع الفحص والتحرير، ثم النتيجة والحكم..!. فمن ثبت دليله ثبت قوله، وإلا فلا. أولا:هل يجتمع النقيضان ؟.( النقيضان: لا يجتمعان، ولا يرتفعان، كالعدم والوجود. انظر: التعريف للجرجاني ص59.تنبيه: البحث في هذه الفقرة ليس في أدلة الفريقين، فقد مضى ذكرها، إنما المقصود فحص دعوى من يرى جواز الجمع بين فكرتين متناقضتين: هل يمكن ذلك، أم لا؟)
يتبع
| |
|
| |
الشيخ محمدالبدوي مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4242 تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 50 الموقع : مصر
| موضوع: رد: موضوع منقول في التصوف 2011-05-28, 3:30 am | |
| قضية التصوف من المعارك، حتى بين المعارضين؛ ذلك أن: - منهم من يجعله على قسمين: سني معتدلٍ، وفلسفي غالٍ. - ومنهم من ينكر هذه القسمة، ولا يرى التصوف إلا وجها واحدا، فلسفيا غاليا. ولو تأملنا في حقيقة الخلاف لوجدنا: منـزع هذا غير هذا. فالفريق الأول قد جعل التصوف على قسمين، نظرا منه إلى (الأشخاص)، فمنهم المعتدل، ومنهم الفيلسوف الغالي، وهو كذلك، وأما الفريق الثاني فقد ذهب إلى إنكار القسمة نظرا منه إلى (الفكرة). وفي هذه الحال كلا الفريقين مصيب، لاختلاف محل النزاع، أما لو اتحد محل النزاع فلا: - فلو كان الحكم مبنيا على أساس النظر إلى ( الأشخاص )، فلا يصح القول بأن التصوف وجه واحد، لا قسمة فيه؛ ذلك أن الواقع يقرر وجود الأشخاص المعتدلين والغالين.. السنيين، والفلسفيين، فالأشخاص متفاوتون في التحقق بالفكرة. يقول نيكلسون: " يقال إجمالا: إن كثيرين منهم كانوا من خيار المسلمين، وإن كثيرين منهم لم يكونوا مسلمين إطلاقا، ولعلها أن تكون أكبر الثلاثة مسلمة تقليدا" (الصوفية في الإسلام، نيكلسون، ص33) - ولو كان الحكم مبنيا على أساس النظر إلى ( الفكرة )، فلا يصح القول بأن التصوف في (ذاته) على قسمين: معتدلٍ، وغالٍ؛ فإنه من المستحيل أن تنقسم الفكرة ( في ذاتها) إلى:معتدلة، وغالية.. سنية، وفلسفية؛ فلا يتصور أن تجمع الفكرة الواحدة بين نقيضين، كما لا يمكن اتساع المكان الواحد لنقيضين: - فإذا جاء الليل ذهب النهار، وإذا جاء النهار ذهب الليل. - وإذا آمن المرء انتفى الكفر، وإذا كفر انتفى الإيمان. ومن المحال اجتماعهما في مكان واحد. نعم قد تكون الفكرة على درجات، قوة وضعفا، لكن كل ذلك له حد معلوم، إذا خرج عنه، انتفى الانتساب إلى الفكرة. إن الأمر المشهور المعروف: أن التصوف فكرة، لها قواعد وأصول معروفة، من تحقق بها فهو متصوف حقيقة، ومن لم يتحقق بها، وكان ممتثلا لبعض فروعها، فنسبته إلى التصوف من باب التجوز في الإطلاق، ولا يأخذ حكم الصوفي الحقيقي الخالص ( وهذا حال أكثر المنتسبين إلى التصوف ) وهذا التقرير لا يختص بالتصوف، بل كل الملل والمذاهب. فالأشخاص متفاوتون في التحقق بالفكرة، فما مثلهم ومثل التصوف إلا كنقطة حولها دوائر، فالنقطة هي الفكرة، ومن كان على الدائرة القريبة كان أكثر قربا من الفكرة، فما يزال يدور حول النقطة حتى يتماهى فيها، فيتحقق بها، وحينذاك يكون صوفيا خالصا، وكلما ابتعدت الدائرة عن النقطة، كلما كان من عليها أبعد عن التحقق، حتى نصل إلى أفراد ليس لهم من التصوف إلا رسوم ظاهرة، لا تسمى في حقيقة الأمر تصوفا، ولا يسمون متصوفة، إلا من باب التجوز. فإذا تقرر أن التصوف فكرة واحدة، بأصولها وقواعدها، والمتصوفة يقرون بهذا، فيبطل حينئذ أن تجمع بين السنة والفلسفة، فهي إما أن تكون سنية أو فلسفية؛ أما أن تكون كلتيهما فذلك باطل؛ لأنه محال، لما تقدم، فالسنة تناقض الفلسفة أصلا، فهما دينان مختلفان، السنة دين الرسول صلى الله عليه وسلم، والفلسفة دين الوثنين عباد الأصنام، من حكماء الهند، والفرس، واليونان. ( انظر: ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، للبيروني ص27) نعم.. من أئمة التصوف أمة متقيدة بالكتاب والسنة، صالحون، أبرار.. هذا لا شك فيه. ومنهم من دون ذلك، ومنهم من ليس من الإسلام في شيء. ففيهم كل الأصناف. وعليه فلا يصح تصحيح التصوف، أو إبطاله بالنظر إلى هؤلاء الأئمة؛ فإذا احتج المناصر بالصالح منهم على حسن التصوف: احتج عليه المعارض بالزنديق منهم والمبتدع على سوء التصوف. فتبقى المسألة عالقة، وأكثر النزاع من هذه الحيثية؛ فإن من الذين صححوا التصوف بنوا قولهم نظرا منهم إلى المنتسبين إلى التصوف، وما جاء من الثناء عليهم، لكنهم لم ينظروا من جهة الفكرة نفسها، وهذا خطأ.. ومثله كمن صحح النصرانية؛ لأن فيهم قسيسين ورهبانا، وأنهم لا يستكبرون(ثمة فئة تنحو إلى تصحيح الدين النصراني، وتستدل عليه بمثل قوله تعالى: {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون}[المائدة 82]، وهذا باطل..!!. لأن هؤلاء الرهبان والقسيسين: - إما أن يكون باقين على نصرانيتهم، فالآية حينئذ لا تتعرض لهم. - أو مؤمنين متبعين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فالآية حينئذ تشير إليهم، وتتمة الآية تدل على ذلك: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين..} إلى آخر الآية. ففي كلا الحالتين الاستدلال بالآية على تصحيح النصرانية باطل، فالآية تحسن سبيل من ترك النصرانية إلى الإسلام. فمعنى الكلام: أن من صحح التصوف بالنظر إلى أن فيه صالحين، زاهدين، مثله كمثل من صحح النصرانية، لأن فيه قسيسين ورهبانا. ناسيا أن صلاح هؤلاء كان باتباعهم النبي، ليس لأنهم نصارى. كذلك صلاح الأئمة من المتصوفة، لأنهم متبعون، ليس لأنهم متصوفة)..!!. والصواب: أن يفرق بين الفكرة والمنتسبين إليها. فليست كل أفعال المتصوفة صادرة عن الفكرة الصوفية، بل فيها ما هو صادر عن اتباع وتسنن، فهذا ينسب إلى الإسلام. وفيها ما هو صادر عن فكرة صوفية، معروفة من قديم، في الثقافات القديمة، فهذا ينسب إلى الصوفية(هذا هو طريق معرفة أصول ومصادر الفكرة الصوفية: النظر والبحث في الأفكار الصوفية، في الثقافات القديمة. فبينها مشتركات رئيسة، يثبت أن الخط واحد، والهدف واحد. وقد دخلت هذه الأفكار إلى البيئة الإسلامية، وتقلدها طائفة من المسلمين.).. أما نسبة كل ما يصدر عن الأئمة إلى التصوف، فمثل نسبة كل ما يصدر عن المسلمين إلى الإسلام ..!!. فإن قيل:فأين ( الأضداد ) ؟. أليست هي كلمات عربية تحمل معاني متضادة، فلم لا يكون (التصوف) منها؟. قيل:أولا:كلمة "صوفية" ليست من الأضداد. ثم إن كلامنا في المصطلحات، لا في مجرد كلمات عربية. فالمصطلحات كلمات مستعملة أصلا، قبل التواضع على اصطلاحها، ثم إنها استعملت مصطلحا للدلالة على مذهب أو فكرة أو نحو ذلك.. فصارت دليلا وعلامة على هذا المذهب أو تلك الفكرة، لتمييزها عن غيرها، وفي عادة المصطلحين أنهم ما وضعوا مصطلحاتهم إلا لمنع تداخل غيره بها، وبخاصة نقيضها، فلا يعقل إذن، بعد الاحتياط الشديد منهم على التميز، أن يضمنوها ما يضادها؛ لأن معناه حينئذ انتفاء التميز، وإذا انتفى التميز لم يعد للمصطلح أية فائدة في وضعه..!!. فإذا قيل:سلمنا أن الفكرة لا تنقسم، لكن ألا تفرق بين ما هو أصل، وما هو طارئ ؟!. - فهذا "التشيع" في أصله محمود؛ كونه في معنى مناصرة آل البيت. لكن لما انحرف هذا المعنى: ذم. - وهذا "العقل" في أصله محمود، لكن لما صار حكما على الشريعة: ذم. فلم لا تجعل التصوف من هذا القبيل: في أصله محمودا؛ لدلالته على معنى الإحسان والعبادة، لكن لما انحرف بدخول الفلسفة عليه: ذم. فالمذموم منه طارئ عليه ؟. فالجواب أن يقال:هذا الاعتراض يتضمن أمرين، هما: - الأول:تقسيم الفكرة إلى:أصل، وطارئ. - الثاني:جعل أصل فكرة التصوف:محمودا. - فأما الأول:فممكن غير ممتنع أن يكون مصطلح "التصوف" موضوعا لمعنى معين، ثم طرأ عليه ما يضاد ويناقض المعنى الموضوع، فاستعمل بعدئذ في المعنيين: في الأول حقيقة، وفي الثاني تجوزا. لكن هذا لا يلغي التقرير الآنف المتضمن:امتناع وجود فكرة تحمل معنيين متناقضين؛ لأن الامتناع من جهة الأصل، وأما الإمكان فمن جهة الطروء، وشتان ما بينهما. فكلامنا في الأصل، وقد تقدم التنبيه على هذا بالقول: ( في ذاتها )؛ والمعنى: في أصل ما وضعت له. والمعتبر الأصل، فالحكم يتبعه حمدا أو ذما، وأما الطارئ فهو دخيل، ولا حكم له، واستعماله في المعنى الأصل خطأ مردود. مثل استعمال مصطلحات: الديمقراطية، أو الاشتراكية، أو الليبرالية. للدلالة على الإسلام. - وأما الثاني:فافتراض أن أصل مصطلح "التصوف" محمود.. هكذا ابتداء، فتلك دعوى لا تقوم إلا ببرهان..!!. فإن للمعترض أن يعكس فيقرر أنه مذموم، فيطالب هو أيضا بالبرهان ؟. فرجع تحصيل الحقيقة إلى البرهان في كل حال. وما دام أنه تقرر: امتناع جمع الفكرة بين النقيضين، من جهة أصلها. فإن المهمة التالية هي: التحقيق في هذه المسألة، بتحديد أصل التصوف.. ما هو ؟. أهو سني محمود، أم فلسفي مذموم ؟.
يتبع | |
|
| |
الشيخ محمدالبدوي مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4242 تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 50 الموقع : مصر
| موضوع: رد: موضوع منقول في التصوف 2011-05-28, 3:31 am | |
| ثانيا:البحث في نسبة التصوف. يبني كثير من المتصوفة والمتعاطفين معهم: تزكيتهم للتصوف. على أنه: مشتق من الصوف. ذلك اللباس المستحصل من جلود الأغنام. فإذا كان مشتقا من الصوف، فما معنى ذلك ؟. وإلى أي شيء يرمي هذا التقرير؟. الذي يرمي إليه: أن التصوف يمثل الجانب الزهدي التقشفي في الإسلام؛ كون اللباس الخشن يدل على العيش الخشن، ولا يعيش بالخشونة إلا الزاهد في متاع الدنيا. فصورة هذا التقرير كما يلي: - المقدمة الأولى:المتصوفة يلبسون الصوف.(يقال: تصوف. إذا لبس الصوف). - المقدمة الثانية: الذين يلبسون الصوف زاهدون في الدنيا.(بحكم الواقع). - النتيجة:المتصوفة زاهدون في الدنيا. فهذه النتيجة بنيت على المقدمتين، مما يعني أن إبطال أي منهما:إبطال للنتيجة نفسها. ويمكن تصوير التقرير من جهة الفكرة نفسها – والسابقة من جهة الأشخاص - فيقال: - الأولى:التصوف لبس الصوف. - الثانية:لبس الصوف هو الزهد. - النتيجة:التصوف هو الزهد. وفي ثبوت المقدمتين:ثبوت النتيجة نفسها. وهذا محل البحث: مناقشة المقدمة الأولى:التصوف لبس الصوف. المطلوب التحقق من المقدمة الأولى. والسؤال موجه إلى المتصوفة، لبيان كيف تحصلوا عليها؟. وجوابهم:أنه في اللغة يقال:تصوف.إذا لبس الصوف. وفي الواقع:المتصوفة اشتهروا بلبس الصوف. فهذا دليلهم:الاشتقاق اللغوي، وحال المتصوفة. 1- الصوفية والاشتقاق اللغوي. فأما عن اللغة، فإنه يصح إطلاق وصف "الصوفي" لمن لبس الصوف، لكن هذا ليس محل خلاف، إنما الخلاف في هذا اللقب الذي أطلق على المتصوفة "صوفية"، فإنه وإن ذهب جمع من المتصوفة وغيرهم، إلى اشتقاق التصوف من الصوف(المقصود هنا: بيان أن القول بالاشتقاق ليس مجمعا عليه بينهم. فأما الأقوال القائلة بالاشتقاق فليس هذا محلها)فإن بعض المتصوفة صرح بمنع أن يكون له اشتقاق لغوي، وجعلوه لقبا محضا، وبهذا قال القشيري والهجويري: 1- قال القشيري:"وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية، قياس ولا اشتقاق، والأظهر فيه أنه كاللقب"(الرسالة القشيرية، القشيري، 2/550-551) 2- قال الهجويري:"واشتقاق هذا الاسم لا يصح على مقتضى اللغة، من أي معنى؛ لأن هذا الاسم أعظم من أن يكون له جنس يشتق منه، وهم يشتقون الشيء من شيء مجانس له، وكل ما هو كائن ضد الصفاء، ولا يشتق الشيء من ضده، وهذا المعنى أظهر من الشمس عند أهله، ولا يحتاج إلى العبارة"( كشف المحجوب، الهجويري، 1/230) وقيمة كلامهما تأتي من جهتين: - الجهة الأولى: كونهما أئمة كبارا في التصوف، الأول في التصوف العربي، والثاني في التصوف الفارسي، وكتاباهما من المصادر الرئيسة، المتقدمة، المعروفة في التصوف، خصوصا "الرسالة". - الجهة الثانية:أنه لم يعترض أحد من المتصوفة بإنكار على هذا التقرير، لا من المعاصرين لهما، ولا من اللاحقين. أفلا يدل هذا على إقرارهم وتسليمهم بهذا التقرير؟، وفي أقل الأحوال على انقطاع حجتهم، وخلوهم من أدلة يعارضون بها ؟. نعم يصح أن يقال لمن لبس الصوف:تصوف. وأن يوصف بأنه صوفي. لكن ما نفعل بإنكار هؤلاء الأئمة(يقول الله تعالى: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار}[القصص41]، في هذه الآية دليل على جواز إطلاق وصف أئمة من غير قيد، حتى في حال الذم، فإطلاقه سائغ في الجهتين إذن: المدح، والذم)لهذا الاشتقاق، وهم الذين لهم المكانة في التصوف؟. مثل هذا الموقف لا ينبغي أن يمرّ دون تحليل وفهم لمغزاه، وما يشير إليه: فالقشيري يجعله لقبا، ويرجح هذه النتيجة، وبما أن الكلمة ليس لها أصل عربي، فليست مشتقة من كلمة أخرى: فهذا يطرح احتمال ألا تكون الكلمة عربية أصلا..؟!!. وهذا وارد، فالكلمات الأعجمية، غير العربية، غير مشتقة، وليس لها أصل في العربية. نعم توجد كلمات عربية غير مشتقة، مثل لفظ الجلالة "الله"، كما هو في بعض الأقوال، وإن كان ضعيفا، وليس هذا موضع الشاهد، إنما موضعه: أن احتمال أعجمية كلمة ما، كونها غير مشتقة، احتمال وارد. وهذا هو المطلوب. ثم الألقاب لا يشترط فيها أن تكون عربية، ولا يشترط في اللقب أن يكون بلغة حامله، وهذا معروف. فوجهان إذن قد يرجحان كون الكلمة غير عربية هما: - أولا:اللقب لا يشترط فيه كونه عربيا. - ثانيا:الكلمة غير مشتقة، والكلمات الأعجمية غير مشتقة من أصل عربي. والهجويري يرفض اشتقاق الكلمة، ويظهر صرامة وحسما أكثر مما أبداه القشيري، الذي استعمل عبارات، فيها شيء من الاعتبار لقول من قال بالاشتقاق، في قوله: "والأظهر فيه أنه.."، وهذا ما لم يفعله الهجويري، الذي قال: "واشتقاق هذا الاسم لايصح على مقتضى اللغة".. فهل كان للجنس الذي ينتمي إليه أثر ؟. فالهجويري فارسي، وقد قيل: إن الثقافة الفارسية مصدر رئيس من مصادر التصوف. فقد تكون رغبة هذا الفارسي الصوفي في الحفاظ على تراث بلده، وتعاليمه القديمة: حملته على رفض أن يسلبهم العرب لقبا وفكرا، هو ألصق بأمة الفرس منه بأمة العرب، وهو سابق عند الفرس، ولاحق عند العرب، فيستأثروا به، ويختصوا به لقبا واسما. خصوصا إذا عرفنا أن كثيرا من الفرس كانوا يتفاخرون بفارسيتهم على العرب، وبأفكارهم كذلك. وهذا الاحتمال وارد، ولا يجزم به؛ كون دليله محتملا غير قطعي، لكن قد يستفاد منه لمحاولة فهم موقفه الحاسم.ويبقى تأكيده، أو نفيه، وليس هذا محله، ولا من صلب البحث، إنما المقصود الإشارة إلى احتمال وارد. وقبل أن يفوت المقام، نذكر أنه كتب كتابه هذا بالفارسية، وذكر فيه كل ما ذكر في الكتب العربية عن التصوف، من البحث في نسبة الكلمة، وما قيل فيها من الأقوال، وقد ساقها كلها، والكلام في اشتقاقها من الصوف، والصفة، والصفاء.. إلخ. من كلام هذين الإمامين، يمكن الخروج باحتمال يؤيده، أو يرفضه ما يأتي من مباحث، هو: - أن الكلمة أعجمية، واللقب أعجمي، ليس بعربي، ولو كانت صورته عربية.
يتبع
| |
|
| |
الشيخ محمدالبدوي مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4242 تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 50 الموقع : مصر
| موضوع: رد: موضوع منقول في التصوف 2011-05-28, 3:32 am | |
|
2- الصوفية ولباس الصوف. من جهة حال المتصوفة، فإن القول بأن التسمية جاءت من اشتهارهم بلبس الصوف، واختصاصهم به: يرده شهادات أئمة التصوف. فهذا القشيري يقرر بصراحة، من غير تأويل: أن الصوف ليس لباس الصوفية. فيقول: - "القوم لم يختصوا بلبس الصوف"( الرسالة القشيرية، القشيري، 2/550-551) وعدم الاختصاص يعني انتفاء النسبة ما بين التصوف والصوف.. وهذه شهادة مهمة: - كونها صادرة من إمام متفق عليه. - كونه لم يرد أحد كلامه هذا، ولم يعارضه أحد، لا من معاصريه، ولا من أتى بعده، فهل يعقل أن يكذب في شهادته، أو يخطئ، ثم يسكت عنه جميعهم، من أولهم إلى آخرهم، مع ظهور المسألة، وعدم خفائها ؟. - كون القشيري عاش في القرن الرابع والخامس (376-465هـ) وهذه الفترة متقدمة في التصوف، وبينه وبين بداياته حوالي القرن والنصف، فهذه المرحلة من المراحل الأولى، التي تلت مرحلة التأسيس، وفيها اكتمل البناء.. في هذه الفترة يخرج القشيري لينفي العلاقة بين المتصوفة ولبس الصوف.. فهو عارف بعصره، ومدرك للفترة التي سبقت، لقربه منها، وهذه شهادته القريبة غير البعيدة. فكل هذه الدلائل تبطل اختصاص المتصوفة بلبس الصوف، كما قال القشيري. حتى ابن تيمية، وهو من أكثر الناس فهما وعلما بتاريخ التصوف، وعلومها، ورجالها، وممن ذهب إلى ترجيح القول باشتقاق التصوف من الصوف، فإنه يقول: - "وهؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة، وهي لباس الصوف. فقيل في أحدهم: صوفي. - وليس طريقهم مقيدا بلبس الصوف. - ولا هم أوجبوا ذلك. - ولا علقوا الأمر به. - لكن أضيفوا إليه؛ لكونه ظاهر الحال" ( الفتاوى، ابن تيمية، 11/16) وقوله: "لكونه ظاهر الحال" يحتمل أمرين: - الأول: أن ظاهر حالهم لبس الصوف. وهذا مردود بشهادة القشيري. - الثاني: أن لبس الصوف ظاهر حال الزهاد، وهؤلاء لما نسبوا إلى الزهد، نسبوا كذلك إلى الصوف تبعا. والمهم في كلامه: أنه أثبت أنهم لم يختصوا به. حيث لم ينظّروا لشيء من أمور الاختصاص؛ فلم يشترطوه، ولم يوجبوه، ولم يعلقوا به الأمر. وهذا هو المطلوب. ولا يعكر على هذا: أن بعضهم لبس الصوف. فالعبرة بالشهرة والاختصاص. إن القول باشتقاق التصوف من الصوف، يلزم منه أن يكون الأصل فيهم لبس الصوف، فإذا كان العكس هو حالهم، فحينئذ لا معنى لأن يكون مشتقا من الصوف؛ لأنهم لم يمتازوا به، وهذا ما قرره القشيري من المتصوفة، ومن غير المتصوفة ابن تيمية، وبذلك يستوي هم وغيرهم فيه. هذا وإن مما يبطل الوجهين جميعا: نسبة التصوف إلى الصوف، من جهة الاشتقاق، ومن جهة الحال: خلو تعريفات التصوف من ذكر الصوف؛ فالمتتبع والدارس تعريفات المتصوفة الأولين، المؤسسين، منذ بداية التصوف، وحتى منتصف القرن الخامس (200-440هـ)، يلحظ خلوها من ذكر الصوف، إلا تعريفا يتيما من بين حوالي ثمانين تعريفا، ذكره الهجويري نقلا عن الجنيد قال: - " التصوف مبني على ثمان خصال: السخاء، والرضا، والصبر، والإشارة، والغربة، ولبس الصوف، والسياحة، والفقر"( كشف المحجوب، القشيري، 1/235) ولم يذكره القشيري في رسالته، ولم ينقله نيكلسون في بحث له، جمع فيه تعريفات التصوف، من كلام الصوفية، ينقلها من: تذكرة الأولياء للعطار، ونفحات الأنس للجامي، والرسالة للقشيري.(في التصوف الإسلامي وتاريخه، نيكلسون، ص28-41) في فلو كانت النسبة صحيحة، فلم أعرضوا عن ذكرها في هذه التعريفات..؟!. ولا يعترض على هذا: بأن التعريفات تبلغ الألف، والألفين. فإن هذا قد قيل، لكن عند البحث عنها، لا نحصل من العدد سوى ما ذكر، مما يبلغ المائة، على أكثر تقدير. فإن قال قائل: فما تقول في هذه التعريفات المنقولة عن أئمة التصوف في نسبة التصوف إلى الصوف، وهي موجودة في كتب التصوف، فمن ذلك: ما جاء في كتاب "اللمع"( ص 40) للطوسي، حيث قال: "باب الكشف عن اسم الصوفية، ولم سموا بهذا الاسم، ولم نسبوا إلى هذه اللبسة"، أليس في هذا نقض دعوى أن التعريفات خالية من كلمة "الصوف" ؟. فالجواب أن يقال: فرق بين التعريف والتفسير والتعليل..!. عند تعريف التصوف، في جواب: ما التصوف؟.لم يذكروا كلمة "الصوف" إلا مرة. أما عند التعليل في جواب: لم سموا صوفية ؟. فقد ذكرت طائفة منهم النسبة إلى الصوف. فالتحقيق المذكور في هذا البحث دقيق؛ فإن التعريفات التي وردت على لسان الأئمة المتقدمين في التصوف، والتي جمعت في كتب الصوفية المتقدمة، تحت عناوين مثل: باب التصوف (= الرسالة للقشيري)، قولهم في التصوف (= التعرف للكلاباذي)، ماهية التصوف (= عوارف المعارف للسهروردي)، باب التصوف (=كشف المحجوب للهجويري): خلت من ذكر كلمة "الصوف". إذن.. بطلت المقدمة الأولى. مناقشة المقدمة الثانية: لبس الصوف هو الزهد. المقدمة الثانية تقول: لبس الصوف هو الزهد. فيقال فيها: ليست هذه قاعدة يستند إليها. فقد يلبس الغني الصوف، وقد يلبسه الفقير.. وقد يلبسه أحدهم من غير تقصّد رهبانية، أو زهد، أو فقر.. قد يلبسه الفقير غير الزاهد؛ لأنه لا يجد غيره، وقد يلبسه الزاهد أيضا. فهذه الأحوال كلها واقعة بالاتفاق، لا يمكن إنكارها، وعليه: فلا يصح الإطلاق بأن لبس الصوف علامة الزهد؛ إذ إن استخراج الحكم أو القاعدة لا يأتي إلا من طريق الاختصاص. ولا اختصاص هنا، فلبس الصوف لم يكن خاصا بالزهاد. وإذا قيل: فهذا حال أغلبهم، يلبسون الصوف. قيل: كلا، لا نسلم بهذا: وهؤلاء الأنبياء أعظم الزهاد، لم يكونوا يخصون الصوف باللبس، ولا تميزوا به، بل لبسوه ولبسوا غيره.. ومثلهم الصحابة رضوان الله عليهم.( انظر: زاد المعاد لابن القيم، 1/135-147) ولو فرض جدلا التسليم بهذا؛ فإن التسليم بهذه المقدمة غير مفيدة في تحصيل النتيجة: أن التصوف هو الزهد. بعد أن بطلت المقدمة الأولى؛ لأن المطلوب لصحة النتيجة: صحة المقدمتين معا. حيث إنها بنيت عليهما، لا على واحد منهما. ويضاف إلى ذلك: أن النتيجة نفسها: التصوف هو الزهد. معترض عليها، والمعترض عليها هم المتصوفة، هم الذين رفضوا تعريف التصوف به، وإن قال به بعضهم..!!. فالمقدمتان باطلتان في نظر طائفة من المتصوفة، ونتيجتهما باطلة عند المحققين من المتصوفة وغيرهم؛ فكثير من المتصوفة يرجعون بالتصوف إلى معنى الزهد؛ ويعللون ذلك: أن الصوفية لما رأوا إقبال الناس على الدنيا: آثروا الزهد فيها. وهذا فيه نظر..!!، فإنه بالنظر إلى تاريخ التصوف: نجد أن ظهوره ابتدأ في نهاية القرن الثاني. وإقبال الناس على الدنيا بدأ في عهد عثمان رضي الله عنه، في منتصف القرن الأول، وعليه: فإن ردة الفعل جاءت بعد مائة وخمسين عاما.. وهذا بعيد، وتحليل متكلف. وحين تتبع معنى الزهد في كلمات المؤسسين للمذهب، نلحظ أمرا يلفت النظر: لا نجد فيها ذكرا لكلمة "الزهد"..؟!!. ومعلوم أن المعرِّف لمصطلح ما؛ جديد غير معروف: يحرص كل الحرص، على أن يستل من اللغة الكلمة الأوفق، والأوضح. فإذا كان كذلك، فلم أعرضوا عن كلمة "الزهد"، واستعاضوا عنه بعبارات من قبيل: إيثار الله.. قلة الطعام.. الفقر..؟!.. هل غابت الكلمة عن قاموسهم ؟!.. كلا، بل حاضرة، لكن لما لم يكن حقيقة التصوف هو الزهد: أعرضوا عنه. فإعراضهم لم يكن عفوا، بل قصدا وعمدا، وقد فهم من بعدهم هذه الإشارة، فورد التصريح منهم بمنع اختصاص التصوف بالزهد: يتبع
| |
|
| |
الشيخ محمدالبدوي مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4242 تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 50 الموقع : مصر
| موضوع: رد: موضوع منقول في التصوف 2011-05-28, 3:33 am | |
| - قال شهاب الدين السهروردي: "التصوف غير الفقر، والزهد غير الفقر، والتصوف غير الزهد، فالتصوف: اسم جامع لمعاني الفقر، ومعاني الزهد، مع مزيد أوصاف وإضافات، لا يكون بدونها الرجل صوفيا، وإن كان زاهدا فقيرا" (عوارف المعارف، ملحق بالإحياء، السهروردي، 5/79) فالتصوف لا يختص بالزهد، ولا الزهد هو التصوف، وهكذا قال أيضا: ابن الجوزي: الخبير بالتصوف، النقاد. ونيكلسون: المستشرق الباحث المختص بالتصوف. وعبد الحليم محمود الإمام الصوفي المدقق المحقق. وسعاد الحكيم المتصوفة الباحثة العارفة بالخفايا. ومحمد زكي إبراهيم شيخ العشيرة المحمدية. والتفتازاني شيخ مشايخ الطرق الصوفية. - يقول ابن الجوزي:" التصوف مذهب معروف يزيد على الزهد، ويدل على الفرق بينهما: أن الزهد لم يذمه أحد، وقد ذموا التصوف"( تلبيس إبليس، ابن الجوزي، ص165) - وقال نيكلسون: "والصوفية الأولون كانوا في الحقيقة زهادا وادعين، أكثر منهم متصوفة"( الصوفية في الإسلام، نيكلسون، ص12) - ويقول الدكتور عبد الحليم محمود: "الزهد في الدنيا شيء، والتصوف شيء آخر، ولا يلزم عن كون الصوفي زاهدا، أن يكون التصوف هو الزهد" (مقدمة المنقذ من الضلال، عبد الحليم بن محمود، ص40) - وتقول الدكتورة سعاد الحكيم: "البداية لم تكن - كما ظن بعض الباحثين – في الزهد، الزهد يتبع الحياة النفسية، بل تجلت في حالات الوجد، التي كانت خير تعبير عن إحساس العبد بالحضور الإلهي"( عودة الواصل، سعاد الحكيم، ص89) - وقال الشيخ محمد زكي إبراهيم(صوفي معاصر، رائد العشيرة المحمدية في مصر، وله موقع على الإنترنت): "الصوفي أكثر من زاهد، إذ الزاهد في الدنيا زاهد في لا شيء، أما الصوفي فلا يزهد إلا فيما يحجبه عن الله"( مجلة التصوف الإسلامي الصادرة عن المجلس الصوفي الأعلى في مصر، عدد رجب 1414هـ ص42) - وقال التفتازاني: "الفناء في الحقيقة المطلقة، وهو أمر يميز التصوف بمعناه الاصطلاحي الدقيق"( الموسوعة الفلسفية العربية 1/259) وكل دارس للتصوف بتحرر، وحيادية، ودقة، سيصل إلى النتيجة ذاتها، بغير تكلف. ذلك لا يعني نفي حال الزهد عن المتصوفة عموما، كلا، بل الأمر لا يعدو نفي اختصاص التصوف بالزهد، وإلا فكثير من المتصوفة – ليس كلهم – كانوا من الزهاد بلا ريب. يقول ابن الجوزي: - "الصوفية من جملة الزهاد، وقد ذكرنا تلبيس إبليس على الزهاد، إلا أن الصوفية انفردوا عن الزهاد بصفات وأحوال، وتوسموا بسمات، فاحتجنا إلى إفرادهم بالذكر"( تلبيس إبليس ص161) ومن خلال ما تقدم: - من اعتراض أئمة التصوف على قضايا كان المظنون التسليم بها. - وموافقة الآخرين لهم، إما بالتأييد، أو السكوت وعدم الرد. نستطيع التأكيد أن التصوف لم يأخذ معناه من الزهد، ولا اسمه من الصوف، فلا دليل على هذا، بل الأدلة ضده، وسيأتي مزيد إثبات لهذا في موضعه، عند الكلام على ماهية التصوف. يتبع
| |
|
| |
الشيخ محمدالبدوي مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4242 تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 50 الموقع : مصر
| موضوع: رد: موضوع منقول في التصوف 2011-05-28, 3:34 am | |
| ثالثا: التصوف والخلق. إذا لم يكن التصوف هو الزهد، فما هو إذن ؟. ذكر المتصوفة: "الخلق" موضوعا للتصوف. وعند البحث في تراث الصوفية التعريفي: نجد هذا المعنى ظاهرا، عكس الزهد. في بضعة تعريفات مهمة، أهميتها من كونها تعريفات أئمة محققين بارزين في التصوف، مثل: الجنيد، والنوري، والغزالي، وابن عربي. ويلحق بهم: الجيلي، والكاشاني. ففي تعريفات هؤلاء: تفسير التصوف بالخلق، بلفظ صريح، لا احتمال فيه، إلا ما كان من تعريف الجنيد، فإنه جاء بإشارة صريحة كذلك، لا تحتمل التأويل. وهذه أقوالهم: 1-أورد الدكتور عبد الحليم محمود عن النوري قوله:"ليس التصوف رسما ولا علما، ولكنه خلق، لأنه لو كان رسما لحصل بالمجاهدة، ولو كان علما لحصل بالتعليم، ولكنه تخلق بأخلاق الله، ولن تستطيع أن تقبل على الأخلاق الإلهية بعلم أو رسم"( عبد الحليم محمود وقضية التصوف، المدرسة الشاذلية، عبد الحليم محمود، ص426) 2-يقول الغزالي: "فالذي يذكر هو قرب العبد من ربه عز وجل في الصفات التي أمر فيها بالاقتداء والتخلق بأخلاق الربوبية، حتى قيل: تخلقوا بأخلاق الله"( الإحياء، الغزالي، 4/324) 3-يقول ابن عربي: "فاعلم أن التصوف تشبيه بخالقنالأنه خلق فانظر ترى عجبا"( الفتوحات المكية، ابن عربي، 2/266) 4-جاء في اصطلاحات الصوفية للكاشاني: "التصوف: هو التخلق بالأخلاق الإلهية"( ص164) 5-قال الجيلي: "ولهذا أمرنا السيد الأواه فقال: تخلقوا بأخلاق الله؛ لتبرز أسراره المودعة في الهياكل الإنسانية، فيظهر بذلك علو العزة الربانية، ويعلم حق المرتبة الرحمانية"( الإنسان الكامل، الجيلي، 2/19) 6-في الرسالة للقشيري: " سئل الجنيد عن المحبة، فقال: دخول صفات المحبوب على البدل من صفات المحب" (2/615) "الخلق"أمر متفق عليه بين الناس: مدحا، وطلبا.. وذكر الصوفية له، وتفسيرهم التصوف به، ليس عليه اعتراض ابتداء، فلا شيء يمنع من أن يكون هذا هو موضوع التصوف، إذا قدروا على الاستدلال له، وسوق البينات. إنما الأمر الذي يسترعي الانتباه: بعض الألفاظ والجمل، التي وردت في هذه التعريفات، مما هي زائدة على مجرد "الخلق"؛ الذي معناه: الفضائل، والقيم العليا، والسماحة. مثل قولهم: تخلق بأخلاق الله (النوري) تخلقوا بأخلاق الله (الغزالي، الجيلي).. تشبيه بخالقنا (ابن عربي) التخلق بالأخلاق الإلهية (الكاشاني)..التخلق بأخلاق الربوبية (الغزالي) دخول صفات المحبوب على البدل (الجنيد). والمتفق عليه بين المسلمين: - أن الله تعالى، وهو: الإله، والرب، وله الألوهية، والربوبيةله أوصاف تليق به، ليست كأوصاف المخلوقين. - والإنسان له أوصاف لائقة به، ليست كأوصاف الله تعالى. لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى 11] والذي يلحظ في هذه الأقوال: - أنها تقرر: اكتساب الإنسان صفات (= أخلاق. بتعبيرهم) الله تعالى. - وأن هذه العملية الاكتسابية التخلقية هي: موضوع التصوف. هذه النتيجة واضحة في كلام هؤلاء الأئمة، من دون استثناء، حتى في كلام الجنيد، وإن استعمل كلمات غير التي استعملها البقية. فتارة قالوا: أخلاق الربيوبية. والربوبية ليست إلا لله تعالى. وتارة قالوا: الإلهية. والإلهية له وحده، لا شريك له. وفي ثالثة قالوا: أخلاق الله تعالى. مصرحين بالاسم الخاص. وفي تعريف الجنيد: وصف لمحتوى هذه العملية: أنها عملية بدلٍ، وليست تبادل، فالمحب يستبدل صفات المحبوب بصفاته؛ بمعنى أنه يترك صفاته ويتخلص منها، ليتلبس بصفات محبوبه، ويتخلق بها. والمحب هنا هو الإنسان، والمحبوب هو الله تعالى. يتبع
| |
|
| |
الشيخ محمدالبدوي مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4242 تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 50 الموقع : مصر
| موضوع: رد: موضوع منقول في التصوف 2011-05-28, 3:34 am | |
| فهاهنا أمران، احتوتهما هذه التعريفات: - الأول: اكتساب الإنسان صفات الله تعالى (= أخلاقه. بتعبيرهم). أو تركه صفاته، واكتسابه صفات الله تعالى. - الثاني: أن هذه العملية الاكتسابية، التخلقية، الاستبدالية: عملية كاملة كلية، ليست ناقصة جزئية. هذا المعنى هو الجديد الملاحظ في هذا التفسير؛ ولذا تقدم أنه ليس مجرد تخلق، أو خلق. فمجرد التخلق والخلق أمر مألوف، معروف. أما هذه المعاني الزائدة، ففيها من الغرابة، وحتى النزاع ما لا يخفى. وهذا الاعتراض نلخصه فيما يلي: أولا: قولهم: "أخلاق الله"، مصطلح جديد، منسوب إلى الشريعة، لم يعرف قبل المتصوفة، الذين انفردوا به، فالمعروف استعمال مصطلحات من قبيل: أسماء الله، صفات الله. وهي قرآنية المورد والمصدر. تتضمن معاني لائقة بالله تعالى. أما هذا فلا يمتاز بذلك، بل هو منتزع من قول الفلاسفة، بالتشبه بالإله على قدر الطاقة(انظر: التعريفات ص73، بدائع الفوائد 1/164) ثانيا: أن التعبير عن الأوصاف الإلهية بالأخلاق فيه محذور، هو: أن الأخلاق، أحوال مكتسبة؛ فالمتخلق مكتسب للأخلاق، هذا هو المعنى الغالب عليه، وعليه فلا يليق أن ينسب إلى الله تعالى؛ لأن أوصافه ذاتية، غير مكتسبة. ثالثا: أن هذا المصطلح يفيد: أن بقدرة الإنسان تحصيل جميع الأوصاف الإلهية اتصافا، أو تخلقا، بحسب تعبيرهم، ليس فيه قيد، ولا تخصيص، ولا تحديد، بل إطلاق وتعميم. والمحذور في هذا لا يخفى؛ فإن أوصاف الله تعالى على ثلاثة أنواع من جهة اتصاف العبد: 1-نوع في قدرة الإنسان الاتصاف بمعناها، دون مماثلة، ويحمد عليه، مثل الرحمة. 2-نوع في قدرة الإنسان الاتصاف بمعناها، دون مماثلة، ويذم عليه، كالتكبر. 3-نوع يستحيل على الإنسان الاتصاف بمعناها، كالخلق، والبرء، والتصوير(انظر: فتح الباري 11/226، عدة الصابرين ص283) وهذا المصطلح لا يفيد هذا التفصيل، فليس فيه إشارة إلى ما يمكن الاتصاف به، وما لا يمكن، وما يحمد عليه، وما يذم، فهو عام شامل، وهو بهذا المعنى منحرف؛ لأنه يفضي إلى المماثلة في الكمّ؛ أي في عدد صفاته، وهو محال. قال تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد}. [سورة الصمد] رابعا: أن هذا المصطلح يفيد كذلك: أن في قدرة الإنسان تحصيل الصفات الإلهية نفسها، في كيفها، فيكون له نفس حدود كل صفة، كما هي لله تعالى، فتكون رحمته كرحمته، ووجوده كوجوده، وقدرته كقدرته..إلخ، وهذا المعنى فاسد، لبطلان المماثلة في الكيف؛ أي في كيفية وكنه صفاته، والله تعالى يقول: {هل تعلم له سميا}. [مريم 65] فقد تبين: أن تفسيرهم التصوف بهذه الجملة فيها من المحذورات، ما يشوش عليها، ويفسد معانيها، ويمنع منها شرعا وعقلا. فإذا رفضوا تلك المعاني، وقالوا: ما أردنا ذلك، وما قصدنا.. فمنهم الصادق في قوله، غير أن ذلك لا يصحح هذه الجملة (= أخلاق الله)؛ لأن الحكم لم يتجه إلى النيات والمقاصد، إنما إلى الجملة، والكلمة، والمصطلح نفسه، فإنه لا يحتمل التأويل الصحيح، والمحاذير لا تنفك عنه؛ كونها مرتبطة بالمصطلح نفسه، بمفرادته، وتراكيبه، سواء أرادها المتكلمون أم لا، ولا يمكن قلب المعنى إرضاء أو جبرا للخواطر، فهذا إفساد للكلام واللغة، والذوق. وتحوير وتبديل ممن لا يملك ذلك، ويؤول إلى عدم الثقة بالألفاظ. وإذا كان ولا بد من فعل شيء، فلتعدّل هذه الجملة، بما ينفي عنها هذه المحذورات، فبدل أن يقال: "التخلق بأخلاق الله"، ليكن البديل: - الدعاء بأسماء الله الحسنى. لقوله تعالى:{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}. [الأعراف180] - أو إحصاء أسماء الله. كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة) ( رواه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب: إن الله مائة اسم إلا واحدا 6/2691) - أو التعبد بأسماء الله وصفاته. فالتعبد صفة العبد، ولله الأسماء والصفات، فلا محذور. (بدائع الفوائد 1/164) فإذا أمكن الرجوع إلى هذه المصطلحات، وتفسير التصوف بها، والاستغناء عن ذلك المصطلح المبتدع في لفظه، المبتدع في معناه: حينئذ يكون خالصا سائغا. يبقى بعد ذلك تصديقه بتطبيقه على وجهه الصحيح. يتبع
| |
|
| |
الشيخ محمدالبدوي مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4242 تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 50 الموقع : مصر
| موضوع: رد: موضوع منقول في التصوف 2011-05-28, 3:35 am | |
| أما مع الإصرار عليه، فإنه حينئذ يقال: هذا دليل على أن التصوف ليس من السنة في شيء. ودليل آخر يضاف إلى ما سبق تحصيله، من نفي الصلة بين التصوف والزهد. والحال: أن المتصوفة ما تركوا هذا المصطلح بهذا اللفظ المخترع (= التخلق بأخلاق الله)، وما غيروا منه شيئا، ولم ينقدوه، بل ساروا عليه، وتواطؤوا على قبوله ..؟!!. والخلاصة: أنه لا اعتراض على تفسير التصوف بالخلق، كما حصل في تفسيره بالزهد، نعم هو خلق وتخلق، لكن بمعنى خاص، غير معروف، ولا مألوف بين الناس والعقلاء، يخرج حتى عن الحدّ الشرعي، وفي هذا الحال هو دليل لمن أنكر على التصوف. قال القائل: أليس قد تواتر عن الأئمة: الجنيد، والتستري، والداراني..وغيرهم كثير، قولهم بوجوب التقيد بالشريعة؟.. أفلا يمكن تخصيص ذلك اللفظ العام (=التخلق بأخلاق الله) بهذا القيد الخاص، فيكون المعنى: التخلق بما يصح شرعا ؟. والجواب: أن هذا يعتمد على التزام الصوفية بهذا القيد، وتطبيقه على المصطلح، فإن هم فعلوا فنعمّا ما فعلوه، وإن لم يفعلوا لم يفدهم هذا القيد بشيء. وهذا يُعرف فيما يأتي. ثم أيضا: الواجب ضبط المصطلح نفسه، قبل كل شيء، حتى لا يحتاج إلى قيود أخرى. فما الذي يمنعهم من ذلك، وهو أمر في قدرتهم فعله، وليس من العسر في شيء ؟!. لا شيء يمنعهم منه، فلسانهم لا يشكو عجمة، والغفلة عن هذا الضبط ممتنعة؛ فلا يصح أن يجتمعوا على نسيان ضبط مصطلح كهذا، ويتواطئوا على المعنى نفسه، دون أن يتنبه إلى ذلك ولو واحد، كيف يمكن أن يكون هذا سهوا، يجتمع عليه أقطاب التصوف ؟!. رابعا: موضوع التصوف(هما طريقتان: - الأول: أن يكون عنوان البحث يشير إلى جميع المباحث، لا يختص بمبحث، مهما عظم شأنه في البحث. - الثاني: أن يختص ببحث هو الأهم، ولأجله سيق البحث كله، والمباحث تبع، وتوطئة، وتكميل، وتحسين. فالحكم بمخالفة الطريقة الثانية للمنهجية العلمية فيه نظر، ولا يسنده دليل. إنما الدليل ينصر الطريقتين معا؛ فإن المقصود من العنوان: أن يكون دالا على مضمون البحث. وهذا متحقق في الثانية.). بالدراسة والتحليل ظهر وبان ضعف العلاقة بين التصوف والزهد، على جهة الاختصاص، وتكشفت بعض الخفايا في مصطلح "الخلق"، والذي جعله المتصوفة موضوعا للتصوف، وبقيت جوانب تحتاج إلى كشف. وقد ساق المناصرون هذين المعنيين لتحسينه، وتوكيد صحته، وموافقته للشريعة، أما وقد أظهرت الدراسة خلاف ما ذهبوا إليه، فالمطلوب البحث عن معنى آخر للتصوف غير الزهد، وتحديد المراد من مصطلح "التخلق".. وهذه هي المهمة التالية: عند النظر في التعريفات تستوقفنا عبارات، وكلمات غريبة المعنى، ليست متداولة في التراث الإسلامي؛ أعني: الكتاب، والسنة، وأقوال أهل القرون المفضلة. مثل: - الاصطلام.. السكر.. الوجد.. الاضمحلال.. الغيبة.. الفناء. ثم يأتى المحققون من قدماء الصوفية، ومن بعدهم، إلى المعاصرين ليقولوا: - إن المعنى الدقيق، والغاية القصوى للتصوف هو: الفناء. فما الفناء ؟، وعلى أي شيء تدل الكلمات الأخرى ؟، وهل بينهما ثمة علاقة ؟. للوقوف على هذه الحقائق: علينا دراسة التعريفات في هذا الباب. وهي على قسمين: - الأول: قسم يفسر التصوف بالفناء، بلفظه. - الثاني: قسم يفسر التصوف بالفناء، لكن بألفاظ أخرى مرادفة. 1- التصوف هو الفناء. 1-يقول الطوسي في تعريفهم: "الفانون بما وجدوا، لأن كل واجد قد فني بما وجد"(اللمع ص47) 2-يقول الهجويري: " الصوفي هو الفاني عن نفسه، والباقي بالحق، قد تحرر من قبضة الطبائع، واتصل بحقيقة الحقائق، والمتصوف هو من يطلب هذه الدرجة بالمجاهدة، ويقوم نفسه في الطلب على معاملاتهم"( كشف المحجوب 1/231) 3-يقول أبو المواهب الشاذلي: "الفنا هو أساس الطريق، وبه يتوصل إلى مقام التحقيق، ومن لم يجد بمهر الفنا، لم يستجل طلعة الحَسْنا، وليس له في غد واليوم نصيب مع القوم"( قوانين حكم الإشراق ص60) 4-يقول التفتازاني: "الفناء في الحقيقة المطلقة، وهو أمر يميز التصوف بمعناه الاصطلاحي الدقيق"( الموسوعة الفلسفية العربية 1/259) 5-ويقول الشيخ محمد زكي إبراهيم : "التصوف فناء صفة العبد، ببقاء صفة المعبود"( مجلة التصوف الإسلامي الصادرة عن المجلس الصوفي الأعلى في مصر، عدد رجب 1414هـ ص42) إذن حقيقة التصوف، بحسب هذه التعريفات: هو الفناء. وهذا ما فهمه وقرره المستشرق الإنجليزي نيكلسون في رسالته: (هدف التصوف الإسلامي)، التي نشرها عفيفي ضمن رسائله تحت عنوان: (في التصوف الإسلامي وتاريخه). يتبع
| |
|
| |
الشيخ محمدالبدوي مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4242 تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 50 الموقع : مصر
| موضوع: رد: موضوع منقول في التصوف 2011-05-28, 3:36 am | |
| 2- ألفاظ مرادفة للفناء. ثمة تعريفات تفسر التصوف بألفاظ مرادفة للفناء، نأخذ منها بعض الأمثلة: 1- قال الجنيد: "أن يميتك الحق عنك، ويحييك به".( الرسالة 2/551) 2- قال أبو يعقوب المزايلي: "التصوف حال تضمحل فيها معالم الإنسانية".( الرسالة 2/556) 3- قال القشيري: "ويقال: الصوفي: المصطلم عنه بما لاح من الحق"(الرسالة 2/557) 3- حقيقة الفناء. النتائج السابقة حددت معنى التصوف في أمرين، هما: الفناء، والتخلق بأخلاق الله تعالى. وتمييز التصوف بمجردهما متعذر؛ كون الأول مصطلح مشترك لمفاهيم متعددة، والآخر غامض، لا يعرف حدّه. فالفناء في اللغة: الزوال، والاضمحلال، قال تعالى: {كل من عليها فان} [الرحمن 26]؛ أي زائل مضمحل، ويحتوي من المفاهيم ما يلي: - الفناء الإرادي؛ بمعنى زوال الإرادة الخاصة. - الفناء الصفاتي؛ بمعنى زوال واضمحلال الصفات الخاصة. - الفناء الذاتي؛ بمعنى زوال واضمحلال الذات الخاصة. وهناك مفهومان آخران، ليسا بجديدين كليا، هما: - الأول: الفناء الشهودي؛ بمعنى ألا يشهد الفاني في الكون سوى الله، من جهة الفعل. - الثاني: الفناء الوجودي؛ بمعنى ألا يرى الفاني في الكون سوى الله، من جهة الذات. والفناء الصفاتي جزء من الفناء الشهودي. ففي هذا الفناء: لا يزال يفني عن رؤية كل الأشياء، حتى يفنى عن رؤية نفسه وصفاتها، فيعتقد أن الله تعالى تمثل في كل شيء: فاعلا، خالقا، مالكا. وثمة فرق بين الصفاتي والشهودي: - فالصفاتي يختص بذات واحدة، تفنى صفاتها. والشهودي فناء صفات كل الأشياء. والفناء الذاتي جزء من الفناء الوجودي. وفي هذا الفناء: لا يزال يفنى عن وجود الأشياء، ووجود نفسه، حتى يستهلك في وجود الحق. وثمة فرق بين الذات والوجودي: - فالذاتي خاص بذات واحدة، هي التي تفنى. وهذا ما يعبر عن بالحلول الخاص. - والوجودي عام بكل الذوات هي التي تفنى. وهذا ما يعبر عنه بالحلول العام. فتحصل بهذا: خمسة أنواع للفناء. وهي مستحصلة بالتأمل في معنى الفناء، وأكثرها ذكرها المتصوفة وغيرهم، من الذين لهم عناية بالتصوف.(انظر: التعرف ص148، الرسالة 1/228، مدارج السالكين 1/173،177) فأيها المراد بالذات، والكنه، والحقيقة في الفكر الصوفي: أكلها، أم بعضها ؟!. فهذا يحتاج إلى تحديد دقيق ؟. وفي التخلق بأخلاق الله تعالى مفهومان، هما: - الأول: تخلق كامل؛ أي بكل الصفات. - الثاني: تخلق ناقص؛ أي ببعض الصفات. فأي هذين المفهومين – أيضا – المقصود بالذات، والكنه، والحقيقة في الفكر الصوفي ؟. هذا أيضا يحتاج إلى تحديد دقيق ؟. فالتحديد مطلوب، وهذا ما نطمح إليه. مع استصحاب نتيجة سابقة: أن المتصوفة لم يحددوا التخلق بشيء، بل أطلقوه، ففيه إشارة إلى أنه تخلق كامل غير ناقص. 1- قال الجنيد: "أن يميتك الحق عنك، ويحييك به"( الرسالة 2/551) 2- قال أبو يعقوب المزايلي: "التصوف حال تضمحل فيها معالم الإنسانية"( الرسالة 2/556) 3- قال القشيري: "ويقال: الصوفي: المصطلم عنه بما لاح من الحق"(الرسالة 2/557) في تعريف الجنيد: ذكر الحياة والموت. وهما مصطلحان لا يعبران عن حقيقة هذه الأحوال، إنما يطلقان ويراد بهما: الفناء، والبقاء. والمعنى الذي يحمل عليه: أن يموت الصوفي (= يفنى) عن: إرادته، صفاته، ذاته. ويحيا (= يبقى): بإرادة الله، بصفاته، بذاته. هذه هي احتمالات الكلام: - فالأول: مشروع مطلوب؛ أن يكون عمل الإنسان وفق إرادة الله تعالى. - والثاني: من المقررات والمبادئ الصوفية؛ أن يتخلى عن صفاته، ويتحلى بصفات الله تعالى (= أخلاق الله. بتعبيرهم)، وهنا يتصل هذا المصطلح بمصطلح سابق، هو: "التخلق بأخلاق الله تعالى". فهذه نقطة التقاء بين هذين المصطلحين: التخلق، والفناء. - والثالث: كذلك من المقررات الصوفية المحضة. وهي تشير إلى حالة الحلول والاتحاد؛ أي يفنى عن ذاته، ليبقى بذات الله تعالى. وهذا النوع يمثل الحالة المشار إليها. فهذه الأنواع كلها محتملة في كلام الجنيد: موافقة الشريعة، التخلق بأخلاق الله، الحلول. وهذا بالنظر إلى مفردات التعريف، دون النظر إلى صاحب التعريف، فربما قصد الجنيد شيئا، وتكلم بكلام يحتمل أكثر من شيء؛ ولذا لا يمكن نسبة القول بالحلول والاتحاد إليه، بمجرد تعريفه هذا، لكن تبرئته، وعدم تحميله معاني هذا الكلام كلها، لا يعني عدم سوق الاحتمالات الثلاثة؛ فإنها احتمالات هذا التعريف، وهي منسجمة مع الفكر الصوفي، صادرة من متصوف، ويستشهد بها المتصوفة في تأييد آراء يذهبون إليها، فرفض الجنيد لمعاني الحلول لا يبرئ الفكر الصوفي منها، ولا يمنع المتصوفة، خصوصا الحلولية، من استعمال كلامه فيها؛ لذا كان لزاما إيراد الاحتمالات الواردة في كلامه، وليس الاحتمالات المناسبة لحاله ومقامه. (سيأتي توضيح هذا الصنيع في آخر هذا البحث، في المحصلة) وفي كلام المزايلي: ذكر الاضمحلال لمعالم الإنسانية. هذا هو التصوف عندهم. فالاضمحلال هو: الفناء، والتلاشي، والمحو. فهذا المصطلح يحتمل المعاني الآنفة؛ اضمحلال: الإرادة، الصفات، الذات. فأيها المراد ؟. لدينا شاهد، ربما ساعد على تحديد المعنى المراد، وهو قوله: معالم الإنسانية. فالاضمحلال يلحق الإنسانية نفسها، والإنسانية مصطلح أعم من أن يختص بالإرادة، أو الصفات، فهو يشملها ويشمل الذات؛ فالإنسان مجموع: الذات، والصفات، والإرادة. وإذا اضمحلت هذه الثلاثة لم يبق للإنسان وجود حقيقي، فحقيقة هذا الكلام إذن وظاهره الحلول والاتحاد. وفي هذا التعريف لم يذكر الحال المقابل للاضمحلال، كما في تعرف الجنيد، لكن هذا لايغير من المعنى شيئا؛ إذ هذا عرف متبع عند الصوفية، يذكرون مرتبة الفناء، ويضمرون مرتبة البقاء، فلا يذكرونها، اكتفاء بالأول، فكل من فني عن نفسه بقي بربه، فالبقاء يتبع الفناء لزوما، فمرة يذكرونه، ومرة لا يذكرونه؛ كونه معروفا. يتبع
| |
|
| |
الشيخ محمدالبدوي مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4242 تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 50 الموقع : مصر
| موضوع: رد: موضوع منقول في التصوف 2011-05-28, 3:37 am | |
| وعن الذي ساقه القشيري، فالاصطلام هو: الفناء. وبهذا عرفوه فقالوا: - "الاصطلام الذاتي: هو غيبوبة العبد عن وجوده، بجاذب الحضرة الإلهية الذاتية، فيذهب عن حسه، ويفنى عن نفسه، وهذا هو مقام السكر( معجم الاصطلاحات الصوفية ص44، وهو تعريف الجيلي) ففي هذا التعريف بيان لاتحاد معاني مصطلحات عدة، هي: السكر، والغيبة، والجذب، والذهاب، والاصطلام. كلها بمعنى الفناء. وفي هذا التعريف أيضا الاحتمالات الثلاثة: الاصطلام عن الإرادة، والصفات، والذات. وبالرجوع إلى التعريف: ندرك أن المعنى الثالث (= الاصطلام عن الذات) مقصود. في قولهم: "غيبوبة العبد عن وجوده"، والغيبة عن الوجود، غيبة عن الذات. كذلك يحتمل المعنى الثاني (= الاصطلام عن الصفات)، في قولهم: "يذهب عن حسه، ويفنى عن نفسه". والحس والنفس يطلقان ويراد بهما فناء الشهود، وهو يتضمن فناء الصفات. كما أن نفي الوجود – في هذا السياق، لا في كل سياق – قد يراد به فناء الشهود؛ إذ حكم بغيابه عن وجوده، ولم يعقبه ببقائه في وجود الحق، أو باستهلاكه فيه. وبذلك يكون هذا التعريف يتضمن: فناء الصفات أولا، وفناء الذات ثانيا. وحمله على فناء الإرادة بعيد؛ فوصف الاصطلام، والسكر ونحوهما لا يستعمل في فناء الإرادة، ففي هذه الأحوال يذهب العقل، ويغيب عن حضوره، وفناء الإرادة لا يحدث فيه هذا الغياب. وبعد المقارنة والنظر: نرى اتفاق هذه التعريفات على الاحتمال الثالث: فناء الذات. الدال على الحلول والاتحاد. كذلك اتفاقها على الاحتمال الثاني: فناء الصفات. فهذه المعاني غالبة، مع وجود إشارة محتملة إلى فناء الإرادة في تعريف الجنيد. وفي التعريفات للجرجاني: - "التصوف: .. وقيل: تصفية القلب عن موافقة البرية، ومفارقة الأخلاق الطبعية، وإخماد الصفات البشرية"(ص27) وإذا خمدت الصفات البشرية، بقي بالصفات الإلهية. وقد ذكر الكلاباذي – وهو من الأئمة المتقدمين، وكتابه من أقدم المؤلفات – في تعريف الفناء أنه: "الغيبة عن صفات البشرية، بالحمل الموله من نعوت الإلهية. وهو أن يفنى عنه أوصافه البشرية، التي هي: الجهل، والظلم".( التعرف ص148) وفي هذا الكلام إشارة إلى: فناء الإرادة؛ إذ ترك الظلم والجهل يأتي من موافقة الإرادة الإرادة الإلهية، والفناء عن الإرادة البشرية، التي تحمل هذه الصفات. ولا ينكر وجود هذا المعنى ( = فناء الإرادة) في كلامهم، حتى بالتصريح، وليس هذا محل البحث: - إنما في المعنيين الآخرين هل هما موجودان، أم لا ؟. - وما منزلتهما، إن كان موجودين ؟. فقد تبين أن هذه التعريفات، وغيرها كثير: تشير إلى وجود فناء الذات والصفات في كلامهم، ولو على وجه الاحتمال. أما عن منزلتهما فالمباحث الآتية معنية بالكشف عنها. 4- الفناء والتخلق. ولا يمر هذا التحرير دون التذكير بأمر يفيد في فهم موضوع التصوف: فبما أن التصوف فسر بالتخلق والفناء معا، فثمة علاقة بينهما إذن. وهذا يعرف من معرفة معنى المصطلحين؛ فقد تقدم أن الفناء: زوال، واضمحلال. والتخلق بأخلاق ما، يفيد: ترك أخلاق الذات والإقلاع عنها، وهذا مقصود لغيره، والتلبس بالأخلاق الأخرى، وهذا مقصود لذاته. هذا الترك والإقلاع هو المعنى نفسه للفناء؛ فالفناء: ترك للحال الخاص، وتلبس بحال أخرى. فالتخلق يتضمن معنى الفناء إذن. فهو فناء عن أخلاق النفس، هذا أولاً.. للتخلق بعده بأخلاق الله تعالى، وهذا ثانيا. وهذا ما يسمى في المصطلح الصوفي بالبقاء. وقد تقدمت الإشارة إلى هذه العلاقة سابقا. فكل فناء يتبعه بقاء. فالتخلق فعل، أوله: فناء. وآخره: بقاء. فمقصوده بالذات:البقاء بالأخلاق الجديدة. وأما الفناء عن الأخلاق القديمة فمقصود لغيره. يقول الشاطبي مبينا العلاقة بين التخلق والفناء: "حاصل ما يرجع إليه لفظ التصوف عندهم معنيان: - أحدهما: التخلق بكل خلق سني، والتجرد عن كل خلق دني. - والآخر: أنه الفناء عن نفسه، والبقاء لربه. وهما في التحقيق إلى معنى واحد، إلا أن أحدهما: يصلح التعبير به عن البداية. والآخر: يصلح التعبير به عن النهاية. وكلاهما اتصاف، إلا أن الأول: لا يلزمه الحال. والثاني: يلزمه الحال. وقد يعبر فيهما بلفظ آخر، فيكون الأول: عملا تكليفيا. والثاني: نتيجته. ويكون الأول: اتصاف الظاهر. والثاني: اتصاف الباطن. ومجموعهما هو التصوف"( الاعتصام 1/207. يلاحظ هنا: أن الشاطبي عكس هذه العلاقة، فجعل التخلق أولاً، ثم التخلق ثانياً..!!. وأما في كلام الصوفية فالعكس؛ ذلك أن الفناء تخلص من الأوصاف الموجودة، لتحصل التخلية، ليمكن بعدها التحلي باكتساب الأخلاق الإلهية. فهذا هو التخلق عندهم. وسبب ما ذهب إليه: أنه ينظر إلى معنى التخلق عندهم على أنه: تخلص من الأخلاق الذميمة فحسب، دون البشرية عموما، ليحصل بعدها اكتساب المحمودة منها، في نطاق بشري. والفكر الصوفي يرى التخلق أعم من ذلك، تخلص كلي من البشرية، وتخلق كلي بالإلهية.) فمحصّل التصوف: فناء عن أخلاق النفس والذات. بقاء بأخلاق الله تعالى. وهكذا نص المتصوفة، لما تكلموا في معنى التصوف، ففسروه بالفناء، إما بنص مباشر ( باللفظ)، أو بنص غير مباشر (بالمعنى)، وفسروه بالتخلق كذلك، باللفظ والمعنى. تبين مما مضى: أن الفناء موضوع التصوف. فهذا المعنى كان ظاهرا بألفاظ كثيرة مرادفة، كالاصطلام، والاضمحلال، والسكر، والغيبة، والجذب.. إلخ، وليس هذا كل شيء؛ فإن طائفة من التعريفات جعلت موضوع التصوف: الفناء. باللفظ نفسه، دون اللجوء إلى المرادفات، وذلك يعطي هذا المعنى توهجا، يستحق به أن يكون موضوع التصوف؛ إذ تكرر بلفظه، وبألفاظ مرادفة، وبه فسّر التصوف في كلام المتصوفة، وهذا ما لم يحظ به: الزهد، والصوف. يتبع
| |
|
| |
الشيخ محمدالبدوي مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4242 تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 50 الموقع : مصر
| موضوع: رد: موضوع منقول في التصوف 2011-05-28, 3:38 am | |
| عودة إلى حقيقة الفناء. من هذه التعريفات ندرك: أي معاني الفناء يختصه به الفكر الصوفي ؟. فمن المقطوع به: أن فناء الشهود (ومنه الصفات)، والوجود ( ومنه الذات): هدف وغاية في هذا الفكر. يتبين ذلك من التعريفات الآنفة: فأما فناء الشهود (والصفات)، فإنهم لا ينكرون إرادته وقصده، وكونه هدفا للتصوف، فهذا أمر مسلّم به عند جميعهم، فقد ذكروا أن العبد يتخلص من صفاته الذاتية، ليتخلق بأخلاق الله تعالى، جاء ذلك في كلام: النوري، والغزالي، وابن عربي، والجيلي، والكاشاني، وقد تقدم. وأما فناء الوجود (والذات)، فهو كذلك مراد، بدليل اتهام جمع من المتصوفة به، من البسطامي، إلى الشبلي، والحلاج، والنوري، وأبي حمزة البغدادي، إلى ابن عربي، وابن الفارض، والتلمساني، وابن سبعين، والقونوي، وغيرهم. فلا يشك أحد من الباحثين تقرير هؤلاء لهذا الهدف مبدأ للتصوف، أو على الأقل موجود ثابت في كلام كثير منهم، منسوب إلى بعضهم، محتمل في كلام كثير منهم. فهذان الاتجاهان موجودان في التصوف إذن. وبهذا نقترب من معرفة الوصف المميز للتصوف: - إنه الفناء عن البشرية ( بالذات، أو الصفات)، والبقاء بالإلهية (بالذات، أو الصفات): فأما الفناء عن الذات البشرية، والبقاء بالذات الإلهية، فهذا هو عين الحلول والاتحاد؛ فإن بحلول الذات الإلهية في الإنسان تفنى ذاته، وكذا باتحاد بالذات الإلهية، فالحلول هو الاتحاد في بعض الأقوال، قال الجرجاني: - " الحلول عبارة عن اتحاد جسمين، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما، إشارة إلى الآخر". - "الاتحاد هو تصيير الذاتين واحدة".( التعريفات ص41،3) لكن بينهما فرق هو: أن الاتحاد امتزاج كلي، لا سبيل للانفصال، أما الحلول فامتزاج جزئي، يمكن الفصل بين الحال والمحلول. وهذا الحلول إما أن يكون خاصا، أو عاما، فإذا كان عاما فهو ما يسمى بوحدة الوجود؛ لأنه حلول في جميع الكائنات. وعليه نفهم قدرا مهما من التصوف هو كونه يتضمن مبادئ: الحلول، والاتحاد، والوحدة. وليس غريبا إن قيل: إن تعريفات الأئمة المتصوفة تفيد هذا المعنى بشكل جلي، ظاهر. تلك التعريفات التي تجعل التصوف: حالا تضمحل فيه معالم الإنسانية، وفناءا عن الوجود، فالوجود والمعالم الإنسانية أسماء وأوصاف تدل على الذات. بل إن تلك التعريفات التي خصت الصفات بالذكر، فجعلت التصوف: الفناء عن صفة العبد، وإخمادا للصفات البشرية. فيها ما يفيد المعنى الأول: الفناء عن الذات.؟!!. فحقيقة الأمر – بالنظر إلى الكيفية التي يقرر بها المتصوفة: فكرة التخلق بأخلاق الله – فإنه لا فرق بين أن يقال: الفناء عن الصفات البشرية. وأن يقال: الفناء عن الذات البشرية.؟!. ذلك أن العلاقة بين الذات والصفات لا تنفك، فالفصل بينهما ذهني، لا حقيقة له في خارج الذهن، فلا صفات إلا بذات، ولا ذات إلا بصفات. وعليه: فمن نفى الصفات البشرية كلها، فإنه بهذا قد نفى الذات نفسها. فالذات تتغير بالتغير الكلي للصفات. فهؤلاء المتصوفة يقولون بالتخلق بأخلاق الله تعالى، ولا يستثنون شيئا من الصفات الإلهية، فكلامهم يفيد أن: التخلق يكون كليا، وليس جزئيا. فهو فناء كلي عن الصفات البشرية، وبقاء كلي بالصفات الإلهية. وما هذا إلا فناء عن الذات ذاته، وليس عن الصفات فحسب. وليس لهم مخرج من هذا، إلا بأن يقرروا: أن التخلق جزئي. فالفناء يكون عن شيء من الصفات البشرية، لا كلها. والبقاء يكون بشيء من الصفات الإلهية، لا كلها. وما رأينا في كلامهم مثل هذا التفصيل.. ما رأينا إلا الإجمال والتعميم..!!. يتبع
| |
|
| |
الشيخ محمدالبدوي مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4242 تاريخ التسجيل : 02/05/2011 العمر : 50 الموقع : مصر
| موضوع: رد: موضوع منقول في التصوف 2011-05-28, 3:39 am | |
| فالفناء عن الصفات البشرية، بحسب إطلاق المتصوفة، يعود إلى معنى الفناء عن الذات البشرية. وبذلك يكون معناه: الحلول، والاتحاد، ووحدة الوجود. وهذا لازم لهم، وإن أنكروه، إلا أن يعيدوا صياغة مذهبهم بالتفصيل، والتفسير، ونفي أن يكون التخلق كليا.(مما يجد التنبيه له هنا: أنه لا يلزم من هذا أن كل صوفي فهو من أهل الحلول، فإن لازم المذهب ليس بمذهب، وكما يقول الناس كلاما، ويرون رأيا، ولا يدركون لوازمه. والبحث في مسألة من الصوفي ليس محله هذه الدراسة) نصوص المتصوفة في : الحلول، والاتحاد، والوحدة . في هذا الباب، للمتصوفة نصوص كثيرة جدا، صريحة العبارة والدلالة، كما أن لهم نصوصا تحتمل هذا المعنى بوضوح: - ينقل السراج عن أبي علي الروذباري: أنه أطلق على أبي حمزة البغدادي أنه حلولي. وذلك أنه سمع صوتا، مثل: الرياح، وخرير الماء، وصياح الطيور. فكان يصيح ويقول: لبيك. فرموه بالحلول، ثم ذكر السراج الطوسي: أن أبا حمزة دخل دار الحارث المحاسبي، وكان للحارث شاة، فصاحت ، فشهق أبو حمزة وقال: "لبيك سيدي. فغضب الحارث وعمد إلى سكين، وقال: إن لم تتب من هذا الذي أنت فيه، أذبحك. قال أبو حمزة: إذا أنت لم تحسن تسمع هذا الذي أنا فيه، فلم تأكل النخالة بالرماد"( اللمع، الطوسي، ص495. تلبيس إبليس، ابن الجوزي، ص170) - وذكر ابن الجوزي قول أبي يزيد البسطامي:" سبحاني، سبحاني، ما أعظم سلطاني، ليس مثلي في السماء يوجد، ولا مثلي صفة في الأرض تعرف، أنا هو، وهو أنا، وهو هو". - وساق ابن الجوزي سنده إلى الحسن بن علي بن سلام قال: " دخل أبو يزيد مدينة، فتبعه منها خلق كثير، فالتفت إليهم فقال: إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدون. فقالوا: جنّ أبو يزيد؛ فتركوه". - ونقل قوله: " دفع بي مرة حتى قمت بين يديه، فقال لي: يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن يروك، قلت: يا عزيزي، إن كانوا يحبون يروني وأنت تريد ذلك، وأنا لا أقدر على مخالفتك، فزيني بوحدانيتك، وألبسني ربانيتك، وارفعني إلى أحديتك، حتى إذا رآني خلقك، قالوا: رأيناك، فيكون أنت ذلك، ولا أكون أنا هناك، ففعل بي ذلك"(انظر النصوص السابقة عن أبي يزيد في: تلبيس إبليس، ابن الجوزي، ص345) - ونقل أبو عبدالرحمن السلمي عن الشبلي قوله: " وما افترقنا، وكيف نفترق ولم يجر علينا حال الجمع أبدا "(طبقات الصوفية، السلمي، ص342) - والهجويري عنه قوله: " الصوفي لا يرى في الدارين مع الله غير الله"(كشف المحجوب، الهجويري، 1/235) - وأما الحلاج فقد زعم أن من تهذب بالطاعة، لا يزال يصفو عن البشرية، حتى يحل فيه روح الله، الذي كان في عيسى عليه السلام، فلا يريد شيئا إلا كان(انظر: دائرة معارف القرن العشرين، فريد وجدي، 10/355، التصوف بين الحق والخلق، شقفة، ص61)ويقول:
سبحان من أظهر ناسوته....سر سنا لاهوته الثاقب ثم بدا في خلقه ظاهرا....في صورة الآكل والشارب حتى لقد عاينه خلقه....كلحظة الحاجب بالحاجب(ديوان الحلاج ص 30. وانظر: تلبيس إبليس، ابن الجوزي، ص 171. مصرع التصوف، البقاعي، ص178) - وذكر عنه السلمي قوله: " ما انفصلت البشرية عنه ولا اتصلت به "( طبقات الصوفية، السلمي، ص311) - وقد زعم أن الله حل فيه، وكان يرسل رسائل إلى أصحابه على أنه هو الله تعالى، وفي كتبه شيء كثير من هذا، فهو محل إجماع عند أهل العلم أنه يقول بالحلول، وكان يقول: " إني مغرق قوم نوح، ومهلك عاد وثمود"، وله الجملة المشهورة: "أنا الحق"( ديوان الحلاج ص202، الفهرست، ابن النديم ص329) - ويروي الطوسي عن سهل بن عبد الله التستري قوله، وقد سئل عن سر النفس، فقال: "النفس سر ما ظهر ذلك السر على أحد من خلقه إلا فرعون، فقال: أنا ربكم الأعلى"( اللمع، الطوسي، ص299)فهذا صريح في الحلول والاتحاد، ومثل هذا الكلام قد يكون منسوبا إلى التستري، إلا أن: - استشهاد الطوسي به، وسوقه، يدل على رضاه به؛ فإنه ذكره تقريرا لآراء المتصوفة، وليس مجرد ذكر، فهو إذن من الآراء الصوفية. - واعتماد المتصوفة كتاب الطوسي "اللمع"، وجعلهم إياه من الكتب المعتمدة، وعدم نقد شيء فيه، بما فيه هذه الكلمة ونحوها، يدل على رضاهم به. * * * ولو ذهبنا ننتبع أقوالهم ما خلصنا؛ لكثرتها، فما من إمام مشهور لديهم إلا ولديه شيء من هذا الكلام، إما بالتصريح، وإما بالإشارة والتلميح، لم يسلم من هذا إلا بعضهم كالمحاسبي، فهذه المعاني موجودة ظاهرة في كلامهم، هذا لا يمكن إنكارها، وتبقى محاكمة كل من قال بها: إن كان قاصدا لها، أم لا ؟. فهذا أمر يعسر الحكم به، إذ ما في القلوب لا يعلم به إلا الله تعالى، وهؤلاء كثير منهم التبست عليهم العبارات والكلمات، فخلطوا بين المعاني والألفاظ، فتكلموا بألفاظ لاتحتمل إلا معاني: الحلول، والاتحاد، والوحدة. والمهم في الأمر: أن هذا الإصرار على تقرير هذه المعاني، بقصد أو بدون قصد، لم يكن لولا أنها القضية الأصل والأساس للتصوف: - فمن المتصوفة من فهم هذه المسألة، واعتنقها، فتكلم بكل ذلك عن علم ودراية. - ومنهم من لم يدركها، لكن تكلم بمثل تكلم المدرك؛ كون اللغة واحدة عند الجميع. وهكذا اتفقت الفئتان: على تقرير مبدأ التصوف بالصورة نفسها التي كانت عليه قديما. يتبع
| |
|
| |
| موضوع منقول في التصوف | |
|