سيِّدى أحمد البدوي رضي الله تعالى عنه
قال المقريزي رحمه الله تعالى: هو أحمد بن على بن إبراهيم بن محمد بن أبى بكر بن إسماعيل بن عمر بن علي بن عثمان بن حسين بن محمد بن موسى بن يحيى بن عيسى بن علي بن محمد بن حسن بن جعفر بن علي بن موسى بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب كرم الله وجهه المعروف بالشيخ أبي الفتيان الشريف العلوي السيد أحمد البدوي الملثم وشهرته فى جميع أقطار الأرض تغنى عن تعريفه ولكن نذكر جملة من أحواله تبركا به فنقول وبالله التوفيق. وُلد بمدينة فاس بالمغرب. لأن أجداده انتقلوا أيام الحجاج إليها حين كثر القتل فى الشرفاء فلما بلغ سبع سنين سمع أبوه قائلا يقول له فى منامه يا علي انتقل من هذه البلاد إلى مكة المشرفة فان فى ذلك شأنا وكان ذلك سنة ثلاث وستمائة. قال الشريف حسن الأخ الأكبر لسيدي أحمد فمازلنا ننزل على عرب ونرحل عن عرب فيلاقونا بالترحيب والإكرام حتى وصلنا إلى مكة المشرفة فى أربع سنين، فتلقانا شرفاء مكة كلهم وأكرمونا، ومكثنا عندهم فى أرغد عيش حتى توفى والدنا سنة سبع وعشرين وستمائة. ودفن بباب المعلاة وقبره هناك ظاهرا يزار فى زاوية، قال الشريف حسن فأقمت أنا وإخوتي وكان أحمد أصغرنا سنا وأشجعنا قلبا وكان من كثرة ما يتلثم لقبناه بالبدوي فأقرأته القرآن فى المكتب مع ولدي الحسين ولم يكن فى فرسان مكة أشجع منه وكانوا يسمونه فى مكة العطاب فلما أحدث عليه حادث الوله تغيرت أحواله، واعتزل الناس ولازم الصمت فكان لا يكلم الناس إلا بالإشارة وكان بعض العارفين يقول انه رضي الله تعالى عنه حصلت له جمعية على الحق تعالى فاستغرقته إلى الأبد، ولم يزل حاله يتزايد إلى عصرنا هذا. ثم أنه فى شوال سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، رأى فى منامه ثلاث مرات قائلا يقول له قم واطلب مطلع الشمس فإذا وصلت إلى مطلع الشمس فاطلب مغرب الشمس وسر إلى طنطا فان بها مقامك أيها الفتى، فقام من منامه وشاور أهله وسافر إلى العراق فتلقاه أشياخها منهم سيدي عبد القادر وسيدي أحمد الرفاعي فقالا يا أحمد مفاتيح العراق والهند واليمن والروم والشرق والمغرب بأيدينا فاختر أى مفتاح شئت. قال لهما سيدي أحمد لا حاجة لي بمفاتيحكما ما أخذ المفتاح إلا من الفتاح قال سيدي حسن فلما فرغ سيدي أحمد من زيارة أولياء العراق كالشيخ عدي بن مسافر والحلاج وأضرابهم خرجنا قاصدين إلى جهة طنطا فأحدق بنا الرجال من سائر الأقطار يعاندونا ويعارضونا ويثاقلونا. فأومأ سيدي أحمد إليهم بيده فوقعوا أجمعين فقالوا له يا أحمد أنت أبو الفتيان فانكبوا مهزومين راجعين. ومضينا إلى أم عبيده فرجع سيدي حسن إلى مكة وذهب سيدي أحمد إلى فاطمة بنت برى وكانت امرأة لها حال عظيم. وجمال بديع. وكانت تسلب الرجال أحوالهم فسلبها سيدي أحمد حالها. وتابت على يديه. وان لا تتعرض لأحد بعد ذلك اليوم. وتفرقت القبائل الذين كانوا اجتمعوا على بنت بري إلى أماكنهم وكان يوما مشهودا بين الاولياء. ثم أن سيدي أحمد رأى الهاتف فى منامه يقول له يا أحمد سر إلى طنطا فانك تقيم بها. وتربى بها رجالا، وأبطالا، عبد العال وعبد الوهاب وعبد المجيد وعبد المحسن وعبد الرحمن أجمعين. وكان ذلك فى شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وستمائة. فدخل مصر ثم قصد طنطا فدخل على الحال مسرعا دار شخص من مشائخ البلد اسمه بن شحيط فصعد إلى سطح غرفته وكان طول نهاره وليله قائما شاخصا ببصره إلى السماء، وقد انقلب سواد عينيه بحمرة تتوقد كالجمر، وكان يمكث الأربعين يوما وأكثر لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، ثم نزل من السطح وخرج إلى ناحية فيشا المنارة فتبعه الأطفال، فكان منهم عبد العال، وعبد المجيد، فورمت عيني سيدي أحمد فطلب من سيدي عبد العال بيضة يعملها على عينه فقال وتعطني الجريدة الخضراء التي معك فقال سيدي أحمد له نعم فأعطاها له فذهب إلى أمه فقال هناك بدوي عينه توجعه فطلب منى بيضة وأعطاني هذه الجريدة فقالت ما عندي شئ فرجع فأخبر سيدي أحمد فقال اذهب فأتني بواحدة من الصومعة فذهب سيدي عبد العال فوجد الصومعة قد ملئت بيضا فأخذ له واحدة منها وخرج بها اليه. ثم أن سيدي عبد العال تبع سيدنا أحمد من ذلك الوقت. ولم تقدر أمه على تخليصه منه. فكانت تقول يا بدوي الشؤم علينا، فكان سيدي أحمد إذا بلغه ذلك يقول لو قالت يا بدوي الخير كانت أصدق. ثم أرسل لها يقول انه ولدى من يوم قرن الثور، وكانت أم عبد العال قد وضعته فى معلف الثور وهو رضيع فطأطأ الثور ليأكل فدخل قرنه فى القماط فشال عبد العال على قرنيه وهاج الثور. فتذكرت أم عبد العال الواقعة واعتقدته من ذلك اليوم فلم يزل سيدي أحمد على السطح مدة اثنتي عشر سنة. وكان سيدي عبد العال يأتى إليه بالرجل أو الطفل فيطأطأ من السطح فينظر إليه نظرة واحدة فيملأه مددا ويقول لعبد العال اذهب به إلى بلد كذا أو موضع كذا.
وكان فى طنطا سيدي حسن الصائغ الاخنائى وسيدي سالم المغربي فلما قرب سيدي أحمد من مصر أول مجئيه من العراق قال سيدي حسن ، مابقى لنا إقامة صاحب البلاد قد جاء، فخرج إلى ناحية أخرى وضريحه بها مشهور إلى الآن. ومكث سيدي سالم . فسلم لسيدي أحمد ولم يتعرض له. فأقامه سيدي أحمد ، وقبره فى طنطا مشهور، وكان الملك الظاهر بيبرس أبو الفتوحات يعتقد فى سيدي أحمد اعتقادا عظيما وكان ينزل لزيارته ولما قدم من العراق خرج هو وعسكره من مصر تلقوه وأكرموه غاية الإكرام. وكان غليظ الساقين طويل الذراعين كبير الوجه أكحل العينين طويل القامة، فحمى اللون وكان بوجهه ثلاث نقط فى خده الأيمن واحدة وفى الأيسر، اثنتان أقنى الأنف على أنفه شامتان، من كل ناحية شامة سوداء أصغر من العدس، وكان بين عينيه جرح موسى جرحه ولد أخيه الحسين بالابطح حين كان بمكة، ولما حفظ القرآن العظيم اشتغل بالعلم مدة على مذهب الإمام الشافعى حتى حدث له حادث الوله. يقول وعزة ربى سواقي تدور على البحر المحيط لو نفذ ماء سواقي الدنيا كلها، لما نفد ماء سواقي، انتقل سنة خمس وسبعين وستمائة، واستخلف بعده على الفقراء سيدي عبد العال، وسار سيرة حسنة وعمر المقام والمنارات ورتب الطعام على الفقراء، وأرباب الشعائر، وأمر بتصغير الخبز على الحال الذى هو عليه اليوم وأمر الفقراء الذين صحت لهم الأحوال بالإقامة فى الأماكن التى كان يعينها لهم، فلم يستطع أحد أن يخالفه، فأمر سيدي يوسف أبا سيدي إسماعيل الانبابى أن يقيم بانبابه وسيدي أحمد أبا طرطور أن يقيم تجاه انبابه فـي البرية، وسيدي عبد الله الجيزي أن يقيم فى البرية تجاه الجيزة، وأمر سيدي وهيبا بالإقامة فى برشوم الكبرى. فأما سيدي يوسف، فأقبلت عليه الأمراء والأكابر من أهل مصر، وصار سماطه فى الأطعمة لا يقدر عليه غالب الأمراء،وكان سيدي عبد الوهاب الجوهري المدفون قريبا من محل مرحوم إذا جاء شخص يريد الصحبة يقول له دق هذا الوتد فى هذه الحائط فان ثبت الوتد فى الحائط أخذ عليه العهد. وان خارت ولم يثبت يقول له اذهب ليس لك عندنا نصيب وقد دخلت الخلوة ورأيت الحائط غالبها شقوق وما ثبت فيها إلا بعض أوتاد. وكان الشيخ يعلم من هو الأولى بالكشف وإنما كان يفعل ذلك حجة على المريد ليقضى بذلك على نفسه ولا تقوم،
رضي الله عن السيد احمد البدوي وعن اصحابه الكرام